Monday, November 12, 2007

رسالة من غريق إلى فضيلة المفتي


أنا شاب مصري حاصل علي بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية قسم الإحصاء، من أحد الكفور الملاصقة لقرية «ميت بدر حلاوة» الشهيرة بمحافظة الغربية.... وكما تعرفون أن أغلبية شباب هذه القرية يعملون في فرنسا، بعد أن دخل أوائلهم باريس منتصف الثمانينيات أيام الرئيس الاشتراكي «فرانسوا ميتيران»، والذي منح الأجانب غير الشرعيين حق الإقامة القانونية، وتصاريح بالعمل، وبعدها وحتي الأمس دخل عشرات الآلاف بطرق مختلفة منهم من تزوج زواجاً «أبيض» أو حقيقيا من تونسية ـ جزائرية ـ مغربية أو حتي موريتانية تتحدث العربية، المهم أنها تحمل الجنسية الفرنسية، ونجح في توفيق أوضاعه، ومنهم من يعيش حتي الآن بلا تصريح أو إقامة مشروعة. ما يعنينا أن أغلبية شباب «ميت بدر حلاوة» وبعد بضع سنوات قليلة شاهدنهم بأنفسنا - رغم تعليمهم المتوسط أو من لا يحمل أي شهادة - يعودون سنوياً ليقيموا عمارات، ويبنوا الفيلات وسط الحقول، ويضاربوا علي أسعار الأراضي التي أوصولها إلي سبعين وثمانين ألف يورو للفدان، ليس بغرض الزراعة، ولكن للمباهاة والعند والعناد. نعم أصبح «اليورو» بعد الفرنك هو العملة السائدة بالقرية. مهر العروسة ثلاثة آلاف يورو، ثمن جاموستين، فالجاموسة الآن بألف وخمسمائة و«الخروف» وصل أربعمائة يورو * ٨ جنيهات، علبة السجاير باليورو، وأسماء الشوارع: بيل فيل ـ نيس ـ والمقاهي والكافيتريات بون جور ـ بون سوار ـ بون أبي تي، و«دراي كلين» باسم نورماندي. ولك أن تتخيل كل صيف عندما يعود بعضهم بالمرسيدس والـ B.M، وكل منهم يصطحب فتاة مغربية تلوح بباسبور أوروبي «نبيتي»، والأطفال ترطن معهن بالفرنسية.. وحالة الفخفخة والفشخرة والمباهاة التي يعيشها أهلهم.. ناهيك عن سلوكيات التخلف من بعض أقاربهم التي هبطت الثروة علي رؤوسهم، فرغم عدم تعليمهم أساساً تجدهم «يدوسون» علينا، ويحقرون من شهاداتنا، ويتتريقون علي تفوقنا بعد أن استأجرونا لنعمل لديهم في طلاء العمارات، وتوضيب فيلات أشقائهم بثلاثة يوروهات أجرة يومية هي ثمن فنجان قهوة بباريس كما أعلم. سيدي المحترم صاحب الخبرة المتميزة في المهجر.. المجتمع المصري يلوم الشباب ويتهمهم بالكسل والدلع، ومفتي الديار يتهمنا بالطمع والجشع ويحكم علي الموتي منا بالنار.. وأنا شخصياً منذ تخرجي دفعة ٢٠٠١ نسيت الشهادة وأعمل أجيراً باليومية في البوية ودهان الحوائط وتركيب السيراميك، وأحياناً في السباكة، وبعد ست سنوات «شهر شغل وشهر انتظار» ادخرت تسعة آلاف جنيه وعمري الآن «٢٩ سنة»، ومرتب والدي ناظر المدرسة بالمعاش ١٦٠ جنيها، وشقيقتي في سن الزواج، وأنت تعلم تكاليف الحياة لمن لا يملكون أرضاً أو ميراثاً، وتعرف أيضاً أن نار الأسعار تشوي قلوبنا، وسوف تزداد اشتعالاً في السنوات القليلة المقبلة، وتعلم أن حكومتنا ليست جادة، وأن النظام خلال الخمسين سنة الماضية يحقننا «بالميروفين» والمسكنات، والحال من سيئ لأسوأ، وأمثالنا لم يعد لهم مكان في هذا البلد، وفي ظل هذا الغلاء، وأمام أعيننا نري ونسمع من يحتكر السلع ويحقق المليارات، ومن يهرب بفلوس البنوك، ومن حصل علي «ثروة» بتوقيع من الوزير إياه، ومن «خبط» فيلا واثنتين بمارينا، ومن «هبر»، ومن «هبش»، ومن قبض ثمن تواطئه، ومن كوفئ لموالسته، ومن لم يحاكم علي فساده لأسباب لا تخفي علي أحد، واللصوص والفاسدون تجدهم في الصفوف الأولي وعلي الحجر.. ولهذا لم أتردد لحظة في التوقيع علي إيصالات أمانة علي بياض لأشخاص لا أعرفهم، ودفعت خمسة آلاف جنيه مقدمًا، ورفضت السفر عن طريق إيلات - تل أبيب ثم تركيا كما يفعل كثيرون، بمساعدة العصابات السورية والعراقية للوصول إلي النمسا أو بولندا ليخترقوا الحدود عبر الغابات أو تسلق الجبال خاصة أيام العطلات، والأعياد «ليلة الكريسماس» عندما تطفأ الأنوار منتصف الليل، وأثناء انشغال «حرس الحدود» بالقبلات والتهئنة بالعام الجديد- يقفز مئات المصريين والبنجلاديش وغيرهم من البائسين عبر الأسلاك الشائكة ليدخلوا أرض «شينجن» الأوروبية، وبعدها يتفنن كل مهاجر في طريقة للوصول إلي أقاربه أو بلدياته. خذ مثلا: ابن عمتي وصل فرانكفورت «سلكاوي» وهناك دفع ألف يورو لإحدي العصابات من الأتراك والمغاربة، وأمام محطة القطارات حجزوا له تذكرتين علي حسابه.. تذكرة له، والأخري لـ«كفيف» ألماني أحمر الوجه يعمل مع العصابة.. ابن عمتي يسحب أو يصطحب الأعمي وكأنه يساعده وبالتالي لن يستوقفه البوليس الذي يتعاون بشدة مع ذوي الاحتياجات الخاصة.. ومن محطة باريس يعود «الكفيف» وحده ليصطحب مهاجرًا غير شرعي جديدًا.. وعشرات الطرق والحيل التي لا تخطر للأوروبيين علي بال!! ركبنا بعد الغروب من سواحل كفرالشيخ مركب صيد متهالك يشبه «المعدية» مربوط بذيله قارب مطاطي يحمل ٢٢ شابا ليصل عددنا إلي ١٨٥ كالسردين مثل مئات وآلاف المصريين الهاربين من بورسعيد ودمياط والإسكندرية ومطروح ومن كل سواحل مصر وحتي السواحل الليبية القريبة من إيطاليا.. وقبل وصولنا أتت الرياح بما لا تشتهي الأنفس، وعاصفة رهيبة تطيح بأحلامنا وغرقنا وسط الأمواج والصراخ والعويل، مات من مات، وتبقي ١٢ غيري أمسكنا في الأحبال المربوطة علي جانب القارب المطاطي إلي أن وصلت في الصباح طائرة إنقاذ يونانية حملتنا إلي معسكر بإحدي الجزر مكدس بالمصريين وغيرهم لنعرف منهم أن ٢٥% يموتون غرقا، ٥٠% يتم القبض عليهم و٢٥% ينجون وينجحون في دخول أوروبا سنويا. سيدي: أقسم لك ونحن بين الحياة والموت كنا نبلل شفاهنا بالمياه المالحة وندعو من قلوبنا علي حكوماتنا وكل الرؤساء والملوك العرب بأن ينتقم الله منهم جزاء ما فعلوه بنا. وأقسم لك أنني سوف أحاول مرة وعشرًا حتي أصل إلي أحد هذه البلدان التي تحترم آدمية الإنسان وتصون كرامته، وتمنحه الفرصة لتحقيق ذاته وطموحاته، وإما الموت غرقا لأفوز بشرف المحاولة. وأخيرا أقول للمفتي يا فضيلة الشيخ «كف عن الكلام» واقرأ.. قبل أن توزع صكوك الرحمة والجنة والنار.. اقرأ يا شيخنا وتمعّن وتفكر في معني الآية الكريمة رقم ٩٧ في سورة النساء: بسم الله الرحمن الرحيم «إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا» صدق الله العظيم، وحسبي الله ونعم الوكيل.وانتهت الرسالة.

2 comments:

Anonymous said...

حسبنا الله ونعم الوكيل

حسبنا الله ونعم الوكيل

ورحم الله أبناءنا شهداءنا

وحسبنا الله ونعم الوكيل

Anonymous said...

ياجماعة خفوا على لارجل شوية

يعملكم أيه ما هو لو ما أفتاش بكده حيجري يدور على شغل في ايطاليا معاكم

عايزينه يغرق يا وحشين

الله ينور مدونة رائعة