Thursday, February 4, 2010

تذكرة في أداب النصيحة في زمن قلّ فيه الناصحون
كان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ ، وعظوه سراً حتّى قال بعضهم : مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبخه
وقال الفضيل : المؤمن يَسْتُرُ ويَنْصَحُ ، والفاجرُ يهتك ويُعيِّرُ
وقال عبد العزيز بن أبي رواد : كان مَنْ كان قبلكم إذا رأى الرجلُ من أخيه شيئاً يأمره في رفق ، فيؤجر في أمره ونهيه ، وإنَّ أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره
عن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي قال : يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك ، فأما من تلقاه ببشر ويلقاك بضرس ، يمن عليك بعلمه فلا كثر الله في الناس أمثال هؤلاء
ويقول طلحة بن عمر : قلت لعطاء : إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ ؟ فقال : لا تفعل . يقول الله تعالى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } . يقول عطاء : فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي !
قيل لإبراهيم بن أدهم : الرجل يرى من الرجل الشيء أو يبلغه عنه ، أيقوله له ؟ قال : هذا تبكيت ، ولكن تعرّض
قال ابن القيم رحمه الله: ( والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة والشفقة عليه والغيرة له ، وعليه فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة ، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه . . . ) .
وقد قيل لبعض السلف : ( أتحب أن يخبرك أحد بعيوبك فقال : إن كان يريد أن يوبخني فلا ) .
وكانوا يقولون : ( من أمر أخاه على رءوس الملأ فقد عيره)
قالت أم الدرداء : ( من وعظ أخاه سرا فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه .
يقول الإمام أحمد : ( كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون : مهلا رحمكم الله
، قال مسعر بن كدام رحمه الله: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
ودعي الحسن البصري - رحمه الله - إلى عرس فجيء بجام من فضة ( أي قدح أو إناء ) عليه خبيص أو طعام
( والخبيص طعام من التمر والسمن ) فتناوله فقلبه على رغيف فأصاب منه فقال رجل : هذا نهي في سكون .
ويروى أن الخليفة المأمون وعظه واعظ فأغلظ له في القول فقال : يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق . فقال تعالى : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى }{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }

عن ابن المبارك قال : كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر , ونهاه في ستر , فيؤجر في ستره
ويؤجر في نهيه , فأما اليوم فإذا رأى أحد ما يكره استغضب أخاه وهتك ستره ! .
( روضة العقلاء / 197 ) .
عن سفيان قال : جاء طلحة إلى عبد الجبار بن وائل وعنده قوم فسارَّهُ بشيء ثم انصرف , فقال : أتدري ما قال لي ؟ قال : رأيتك التفتَّ أمس وأنت تصلي ! .. ( روضة العقلاء لابن حبان / 197 ) .
عن الفضيل بن عياض قال : ( المؤمن يستر وينصح والأفجر يهتك ويعيِّر
( جامع العلوم والحكم / 77 ) .
عن الشافعي قال : من وعظ أخاه سراً فقد نصحه , وزانه ؛ ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه .
( حلية الأولياء 9 / 140 ) .
عن جعفر بن برقان قال : قال لي ميمون بن مهران : يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره ؛ فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره (حلية الأولياء 4 / 86 ) .