لكثير من الأحاديث أثير في الآونة الأخيرة حول ما قيل عن تقارب -فكريا كان أو تنظيميا أو ميدانيا- بين كل من حماس "حركة المقاومة الإسلامية" وتنظيم القاعدة "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى"، وأيا كانت طبيعة الأحاديث ذات الصلة، ومصدرها، ومراميها السياسية، فإن التسليم بها سلبا أو إيجابا تعوزه الكثير من الدقة والموضوعية قبل محاولة الدخول إلى كل من التنظيمين، والبحث في الفوارق القائمة، والقواسم المشتركة إن وجدت، وإمكانية قيام تحالف ما، نسبيا كان أم كاملا.
اختلافات جوهرية
أولا: اختلافات على مختلف الأصعدة بين حماس والقاعدة.
لسنا بصدد تصيد فروق مصطنعة أو اختلافات مفتعلة بين التنظيمين، ولا سيما أنهما انطلقا من منطلقات مختلفة بصورة أقرب ما تكون للجذرية، وإليكم جزء من هذه الفروق:
1- فيما تعتبر حركة حماس نفسها جناحا تابعا للإخوان المسلمين بفلسطين، وهو التنظيم العالمي وكبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، فيما لا ترتبط القاعدة بأي من التيارات الفكرية القائمة على الساحة، ونشأت بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.2- حماس تؤمن بالشمولية في تطبيق الإسلام في مناحي الحياة، السياسة، الاقتصاد، التربية، الاجتماع، التعليم، الفن، الإعلام، ولها شبكة واسعة من المؤسسات المدنية والأهلية، فيما تتخذ القاعدة من الفعل المسلح مجالا وحيدا، وليست لها مؤسسات مجتمع مدني، ولا مؤسسات خدمية منتشرة قائمة.
3- تؤمن حماس بمبدأ المرحلية الجهادية في الفعل المقاوم لتحرير الأرض، فلا ضير عندها في إبرام هدنة طويلة أو قصيرة قائمة على أسس وشروط واضحة، فيما ترفض القاعدة مبدأ الهدنة، ولا تؤمن بمرحلية التحرير لأجزاء حاضرة وأخرى مؤجلة من منطلق الكل الذي لا يتجزأ.4- تؤمن حماس بالمشاركة السياسية والتغيير عبر المشاركة المباشرة في هياكل الدولة ومؤسساتها، عبر الترشيح والانتخاب ودخول المجالس النيابية والحكومات، فيما تتبنى القاعدة الرأي الفقهي المحرم لدخول المجالس النيابية بوصفها كفرية، وحرمة الدخول في الحكومات وتشكيلها، بوصفها إحدى صور الديمقراطية التي يعتبرها التنظيم هياكل كفرية لا يجوز التعامل معها.
5- تؤمن حماس بجغرافية الصراع مع إسرائيل، وترفض إخراجه من مربع فلسطين لعوامل عدة، تكتيكية، تنظيمية، واقعية، عسكرية، فيما تفتح القاعدة عددا من الجبهات داخل دول عربية وغربية، ولا تؤمن بالتحديد الجغرافي للصراع.
6- لا تتبنى حماس المنهج التكفيري في منهجها الفكري، ولا تكفر الأنظمة العربية والحكومات الإسلامية، بل تسعى لبناء علاقات إيجابية مع جميعها على قاعدة الاحترام المتبادل، في حين تتبنى القاعدة تكفير الأنظمة الحاكمة، ولا ترى أي داع لبناء علاقات إيجابية معها، لاعتبارات تراها شرعية وواقعية.
7- ترفض حماس استخدام العنف في المجتمعات العربية والإسلامية لتغيير الأنظمة، وترى حرمة إراقة الدم المسلم تحت أي مبرر، وبالتالي تؤمن بالتغيير السلمي للسلطة، فيما تتبنى القاعدة استخدام العنف ضد الأنظمة والحكومات بوصفها "أنظمة كفرية".
8- تفرق حماس في نظرتها لأعدائها بين شخوص السلطة الحاكمة والإدارات وبين شعوبها، فهي لا تنظر مثلا إلى الشعب الأميركي على أنه عدو، وتنأى بنفسها عن وضع الطرفين، الحاكم والمحكوم في سلة واحدة، فيما لا تفرق القاعدة بين الجانبين، ولا ترى خلافا بين الشعب الأميركي والإدارة الأميركية.
9- تعتبر حماس تنظيما هرميا تصاعديا، يمر المنتمي إليه ضمن محاضن تربوية منتقاة ومعروفة ومؤسسة على منهج واضح ورؤية شاملة، أما القاعدة فهي تيار فكري أكثر مما هو تنظيم هرمي مؤسسي الحلقات، وبالتالي من السهولة "النسبية" الانتساب للقاعدة، لكنها متعذرة عند حماس.
10- ترى حماس في فريضة الجهاد "وسيلة"، وبالتالي تتبنى إستراتيجية واضحة المعالم للتحرير، ومشروعا مقاوما له بداية ونهاية واضحة التحرك وممكنة التحقيق، في حين يعتبر الجهاد "غاية" لدى القاعدة، التي يؤخذ عليها بناء إستراتيجيته على أهداف يقترب بعضها من دائرة المستحيل، فضلا عن اتسام بعضها الآخر بالغموض والضبابية.
تلك الاختلافات الفكرية والفروق الفقهية التي اجتهد الباحث جهاد السعدي لحصرها في نقاط محددة، لا تعني أن هناك مسافات واسعة تتسع أكثر فأكثر في الجانب الميداني والاجتماعي، لاسيما في تعامل التنظيمين مع مختلف الفئات الاجتماعية.
القواسم المشتركة
ثانيا: قواسم مشتركة –على قلتها- بين حماس والقاعدة:
1- حماس والقاعدة تحملان هما مشتركا، وهو الدفاع عن الأمة وكف يد الأعداء عنها.2- كلاهما ينتميان للمذهب السني، ولا خلاف بينهما على وجوب الجهاد كفريضة لإخراج المحتل.3- تشترك حماس والقاعدة في "رِزمة الأعداء"، بوصفهما "جماعتين إرهابيتين خارجتين على نظم القانون"،وبالتالي هما في سلة واحدة وفريق واحد وأيديولوجية واحدة حسب نظر العالم الغربي، وبالتالي فهما مطاردان ومهددان في أرواحهما وأمنهما ووجودهما وكيانهما من القوى العالمية.
4- يتفق كلاهما على المدى البعيد في طرح المشروع الإستراتيجي المتمثل في "أسلمة المجتمعات"، ورفع حالة الخمول والسلبية والانكفاء التي لازمت الأمة عقودا طويلة.
5- يعرف عن قادة كل من التنظيمين القوة والصرامة في المقاومة وترفعهم عن المغانم الدنيوية واسترخاصهم البذل والتضحية بالمال والولد والنفس.6- التنظيمان يرفضان التبعية في المسار المقاوم للأنظمة السياسية، ويرسمان خطوط سيرهما وفق ما ترسمه مصلحة التنظيم.7-يعتمد كل منهما في بنائهما العددي على عنصر الشباب تحديدا، الذين يشكلون السمة الغالبة على المنتسبين والمناصرين لهما.
وبالرغم من هذه القواسم المشتركة، فقد نال تنظيم حماس قسطا وافرا من نقد جلي وأحيانا وصل حد التجريح، من قبل رموز القاعدة وأبرزهم الرجل الثاني في التنظيم، الذي انتقد بشدة ما وصفه بـ"التراجع" المتوالي للمسار المقاوم والسلوك السياسي لحماس بواقع أربع تسجيلات، حاول زعيم التنظيم لاحقا أن يصوب بعضا من شطط نائبه، الذي ذهب بعيدا في انتقاد حماس ومسح تاريخها المقاوم بجرة قلم متسرعة بلا شك.
موقف حماس من القاعدة
إسماعيل هنية وخالد مشعلثالثا: أين حماس من دخول القاعدة إلى فلسطين؟
شهدت الأراضي الفلسطينية، لاسيما قطاع غزة، خلال السنوات الأخيرة نشأة لبعض التنظيمات الإسلامية، شكلت ما يمكن أن يسمى "خارطة فسيفسائية" خلال وقت قياسي سريع، ومن أبرز مكوناتها:
1- جيش الأمة- بيت المقدس: في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة في حزيران 2007، وينشط شمالي قطاع غزة وجنوبه، وتشير المعطيات أنه أقيم رسميا قبل عامين، وطبقا لأقوال أبي حفص، أحد القياديين في التنظيم، فقد عمل بصورة سرية لبضع سنوات قبل إقامته، ويعتبر نفسه "جامعا" لأمة الإسلام كلها، ويعرف نفسه على أنه تنظيم إسلامي خالص، ويمتنع عن تبني الرموز الوطنية الفلسطينية.
2-جيش الإسلام: الذي حظي باهتمام دولي في أعقاب خطف الصحفي البريطاني آلان جونستون في آذار 2007، وإطلاق سراحه في أعقاب الضغوط التي مارستها حركة حماس عليه في تموز 2007.
3- فتح الإسلام في أرض الرباط.4-جيش المؤمنين- تنظيم القاعدة في فلسطين، الذي أعلن مسئوليته عن هجومين ضد المدرسة الأمريكية في قطاع غزة.
القاسم المشترك لهذه التنظيمات وغيرها، أنها تدعي صلتها ونسبتها لتنظيم القاعدة، وقد لجأت هذه المجموعات للتهديد والترهيب والعنف ضد فئات مختلفة من الفلسطينيين تحت عنوان محاربة الكفر والانحراف، رغبة في تغيير الوضع السياسي والأمني، وبالتالي غدا الحديث عن وجود تنظيم القاعدة في غزة أمر مفروغ منه، حتى لو كان تواجده "ضمنيا" أو بـ"الوكالة" من خلال هذه المجموعات السرية.
وبغض النظر عن مصداقية صلة هذه المجموعات بتنظيم القاعدة، فإن السؤال الأكثر أهمية في هذه العجالة يتعلق أساسا بموقف حركة حماس، وكيفية تعاملها مع هذه المجموعات، وهل من تحالف أو تنسيق بينهما، حتى لو بدا في الوقت الحالي بعيد المنال مرحليا.
الحقيقة أن هذه التنظيمات المنسوبة إلى القاعدة، بشكل أو بآخر، ومن خلال معاينة ميدانية من داخل قطاع غزة يبدو أنها تشكل عبئا على حماس أكثر من أي طرف آخر، لأكثر من اعتبار وسبب، أهمها غياب الأهداف القريبة للمحتل الإسرائيلي في ظل وجود السياج الأمني، ما قد يحوّل نشاطهم إلى الداخل، ومظاهر الانفلات الأمني، كاختطاف بعض الأجانب، واستهداف المؤسسات الدولية والمسيحية.
وكما أن حماس "تحترس" من فتح باب الانضمام إلى صفوفها دون تمحيص أو تنقيح لأي مجموعات مسلحة تحمل اسمها خارج فلسطين، وترغب في الانضمام إليها لاعتبارات عدة، فإن القاعدة بحكم صراعها المفتوح مع مختلف الأطراف في قارات العالم الست، أثبتت قبولا لكل مجموعة ترغب هنا أو هناك في الانضمام إليها، دون تنقيح ماضيها أو التعرف على أدبياتها، أو التأكد من محاضن نشأتها وفهمها لأصول المقاومة، وفق المنطوق الشرعي والحكم الصحيح.
ولذا فإن الموقف "غير المرحب" الذي تبديه حماس، لا سيما في الخطاب الرسمي، من هذه المجموعات له علاقة مباشرة بحجم الأعداد المنضمة حديثا لهذه المجموعات، مما قد يفتح المجال واسعا أمام "الاختراقات الأمنية"، سواء من قبل خصوم حماس على الساحة الفلسطينية، أو من قبل عملاء إسرائيل، نظرا لكونها تنظيما مفتوحا لكل من يرغب دون ضابط صارم.
ومع ذلك، وللاقتراب أكثر فأكثر من الموقف "الحمساوي"، الرسمي والتنظيمي، فإن ما تقدم من موقف لقيادة حركة حماس الرسمي، لا يلغي بالمطلق –وانطلاقا من معطيات ميدانية مرة أخرى- أن هناك "شعبية" ما لتنظيم القاعدة في أوساط نشطاء وعناصر حماس، لاسيما الجيل الشاب المنضم حديثا لمدرسة الإخوان المسلمين، ممن أخذوا على قيادة الحركة ما وصفوه بـ"تساهلها"، مع السلطة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية المحيطة، مقابل الحصول على مكاسب سياسية لها علاقة بالحفاظ على مقعد الحكومة والسلطة، الأمر الذي يرى فيه تنظيم القاعدة اقترابا من "محرمات" معلومة من الدين بالضرورة.
هوة واسعة بين حماس والقاعدة
شعبية حماس وضعتها في المقدمةمن جهة أخرى، تأخذ أوساط لا بأس بها من قواعد حماس التنظيمية على قيادة الحركة هذا التقارب مع طهران، دون أدنى تفهم للمعطيات السياسية والتداخلات الإقليمية الضاغطة، شاهرين في الوقت ذاته أمام قيادة حماس سيف الأعمال الدموية التي تنفذها الميليشيات المحسوبة على الطائفة الشيعية في العراق بحق السنة كما يقولون
الأمر الذي يبدو أكثر طرافة، ولكنه يحمل دلالة جدية، انتشار بعض الرموز التي تعتبر "ماركة مسجلة" لتنظيم القاعدة، بين أوساط بعض نشطاء حماس، ومنها:
1- اللحية القاعدية، وهي بعيدة كل البعد عن اللحى المتعارف عليها بين عناصر الإخوان المسلمين، لاسيما إذا اقترن ذلك بقص شعر الرأس كليا.
2- ارتداء قبعة "الزرقاوي" السوداء على نطاق واسع، وانتشار الجلباب المسمى بين الفلسطينيين بـ"الزي الباكستاني" الذي كان يرتديه المجاهدون الأفغان زمن الحرب على السوفييت.
3- تداول صور الشيخ أسامة بن لادن، ورموز القاعدة، على هؤلاء المتحمسون للتنظيم.4- انتشار الأناشيد الدينية المنسوبة إلى تنظيم القاعدة، لاسيما تلك التي لا تصاحبها "موسيقى" معاصرة.
5- توزيع كميات كبيرة من المطبوعات والمنشورات، التي يقبل المئات من عناصر حماس على شرائها واقتنائها، فور نزولها الأسواق، والتي تحمل في صفحاتها تهجمات "غير مسبوقة" على فكر الحركة السياسي، واتهامه بين "الانبطاحية"، والتنازل عن الثوابت "العقائدية" للحفاظ على مكتسبات السلطة.
6- أدعو الكثيرين من قراء هذا التحليل لجولة متأنية في عدد معقول من "المنتديات" الإلكترونية وساحات الحوار على شبكة الإنترنت المقربة من حركة حماس وتنظيم القاعدة، وملاحظة أن هناك تقاربا ما، وتعاطفا نسبيا، مع التنظيم المطلوب عالميا على أجندة أجهزة المخابرات العالمية، من المحيط إلى المحيط.
أخيرا.. فما تقدم من توضيحات، وما قد يستشرفه المرء في قادم الأيام أن الشقة بين حماس والقاعدة، فكريا وسياسيا وتنظيميا وميدانيا، أوسع بكثير من أي جهود حقيقية جادة للاقتراب، فضلا عن التحالف، وإن كان بفعل مستجدات ضاغطة، أو مصالح سياسية متبادلة، الأمر الذي يحتم على حماس، لاسيما لدى قيادتها السياسية النظر بعين فاحصة إلى ما يدور في قواعدها التنظيمية، خاصة على الصعيد الفكري، من زحف متواصل على أفكار الإخوان الوسطية التي تربوا عليها عقودا من الزمن، بغض النظر اتفقنا معها أم اختلفنا
اختلافات جوهرية
أولا: اختلافات على مختلف الأصعدة بين حماس والقاعدة.
لسنا بصدد تصيد فروق مصطنعة أو اختلافات مفتعلة بين التنظيمين، ولا سيما أنهما انطلقا من منطلقات مختلفة بصورة أقرب ما تكون للجذرية، وإليكم جزء من هذه الفروق:
1- فيما تعتبر حركة حماس نفسها جناحا تابعا للإخوان المسلمين بفلسطين، وهو التنظيم العالمي وكبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، فيما لا ترتبط القاعدة بأي من التيارات الفكرية القائمة على الساحة، ونشأت بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.2- حماس تؤمن بالشمولية في تطبيق الإسلام في مناحي الحياة، السياسة، الاقتصاد، التربية، الاجتماع، التعليم، الفن، الإعلام، ولها شبكة واسعة من المؤسسات المدنية والأهلية، فيما تتخذ القاعدة من الفعل المسلح مجالا وحيدا، وليست لها مؤسسات مجتمع مدني، ولا مؤسسات خدمية منتشرة قائمة.
3- تؤمن حماس بمبدأ المرحلية الجهادية في الفعل المقاوم لتحرير الأرض، فلا ضير عندها في إبرام هدنة طويلة أو قصيرة قائمة على أسس وشروط واضحة، فيما ترفض القاعدة مبدأ الهدنة، ولا تؤمن بمرحلية التحرير لأجزاء حاضرة وأخرى مؤجلة من منطلق الكل الذي لا يتجزأ.4- تؤمن حماس بالمشاركة السياسية والتغيير عبر المشاركة المباشرة في هياكل الدولة ومؤسساتها، عبر الترشيح والانتخاب ودخول المجالس النيابية والحكومات، فيما تتبنى القاعدة الرأي الفقهي المحرم لدخول المجالس النيابية بوصفها كفرية، وحرمة الدخول في الحكومات وتشكيلها، بوصفها إحدى صور الديمقراطية التي يعتبرها التنظيم هياكل كفرية لا يجوز التعامل معها.
5- تؤمن حماس بجغرافية الصراع مع إسرائيل، وترفض إخراجه من مربع فلسطين لعوامل عدة، تكتيكية، تنظيمية، واقعية، عسكرية، فيما تفتح القاعدة عددا من الجبهات داخل دول عربية وغربية، ولا تؤمن بالتحديد الجغرافي للصراع.
6- لا تتبنى حماس المنهج التكفيري في منهجها الفكري، ولا تكفر الأنظمة العربية والحكومات الإسلامية، بل تسعى لبناء علاقات إيجابية مع جميعها على قاعدة الاحترام المتبادل، في حين تتبنى القاعدة تكفير الأنظمة الحاكمة، ولا ترى أي داع لبناء علاقات إيجابية معها، لاعتبارات تراها شرعية وواقعية.
7- ترفض حماس استخدام العنف في المجتمعات العربية والإسلامية لتغيير الأنظمة، وترى حرمة إراقة الدم المسلم تحت أي مبرر، وبالتالي تؤمن بالتغيير السلمي للسلطة، فيما تتبنى القاعدة استخدام العنف ضد الأنظمة والحكومات بوصفها "أنظمة كفرية".
8- تفرق حماس في نظرتها لأعدائها بين شخوص السلطة الحاكمة والإدارات وبين شعوبها، فهي لا تنظر مثلا إلى الشعب الأميركي على أنه عدو، وتنأى بنفسها عن وضع الطرفين، الحاكم والمحكوم في سلة واحدة، فيما لا تفرق القاعدة بين الجانبين، ولا ترى خلافا بين الشعب الأميركي والإدارة الأميركية.
9- تعتبر حماس تنظيما هرميا تصاعديا، يمر المنتمي إليه ضمن محاضن تربوية منتقاة ومعروفة ومؤسسة على منهج واضح ورؤية شاملة، أما القاعدة فهي تيار فكري أكثر مما هو تنظيم هرمي مؤسسي الحلقات، وبالتالي من السهولة "النسبية" الانتساب للقاعدة، لكنها متعذرة عند حماس.
10- ترى حماس في فريضة الجهاد "وسيلة"، وبالتالي تتبنى إستراتيجية واضحة المعالم للتحرير، ومشروعا مقاوما له بداية ونهاية واضحة التحرك وممكنة التحقيق، في حين يعتبر الجهاد "غاية" لدى القاعدة، التي يؤخذ عليها بناء إستراتيجيته على أهداف يقترب بعضها من دائرة المستحيل، فضلا عن اتسام بعضها الآخر بالغموض والضبابية.
تلك الاختلافات الفكرية والفروق الفقهية التي اجتهد الباحث جهاد السعدي لحصرها في نقاط محددة، لا تعني أن هناك مسافات واسعة تتسع أكثر فأكثر في الجانب الميداني والاجتماعي، لاسيما في تعامل التنظيمين مع مختلف الفئات الاجتماعية.
القواسم المشتركة
ثانيا: قواسم مشتركة –على قلتها- بين حماس والقاعدة:
1- حماس والقاعدة تحملان هما مشتركا، وهو الدفاع عن الأمة وكف يد الأعداء عنها.2- كلاهما ينتميان للمذهب السني، ولا خلاف بينهما على وجوب الجهاد كفريضة لإخراج المحتل.3- تشترك حماس والقاعدة في "رِزمة الأعداء"، بوصفهما "جماعتين إرهابيتين خارجتين على نظم القانون"،وبالتالي هما في سلة واحدة وفريق واحد وأيديولوجية واحدة حسب نظر العالم الغربي، وبالتالي فهما مطاردان ومهددان في أرواحهما وأمنهما ووجودهما وكيانهما من القوى العالمية.
4- يتفق كلاهما على المدى البعيد في طرح المشروع الإستراتيجي المتمثل في "أسلمة المجتمعات"، ورفع حالة الخمول والسلبية والانكفاء التي لازمت الأمة عقودا طويلة.
5- يعرف عن قادة كل من التنظيمين القوة والصرامة في المقاومة وترفعهم عن المغانم الدنيوية واسترخاصهم البذل والتضحية بالمال والولد والنفس.6- التنظيمان يرفضان التبعية في المسار المقاوم للأنظمة السياسية، ويرسمان خطوط سيرهما وفق ما ترسمه مصلحة التنظيم.7-يعتمد كل منهما في بنائهما العددي على عنصر الشباب تحديدا، الذين يشكلون السمة الغالبة على المنتسبين والمناصرين لهما.
وبالرغم من هذه القواسم المشتركة، فقد نال تنظيم حماس قسطا وافرا من نقد جلي وأحيانا وصل حد التجريح، من قبل رموز القاعدة وأبرزهم الرجل الثاني في التنظيم، الذي انتقد بشدة ما وصفه بـ"التراجع" المتوالي للمسار المقاوم والسلوك السياسي لحماس بواقع أربع تسجيلات، حاول زعيم التنظيم لاحقا أن يصوب بعضا من شطط نائبه، الذي ذهب بعيدا في انتقاد حماس ومسح تاريخها المقاوم بجرة قلم متسرعة بلا شك.
موقف حماس من القاعدة
إسماعيل هنية وخالد مشعلثالثا: أين حماس من دخول القاعدة إلى فلسطين؟
شهدت الأراضي الفلسطينية، لاسيما قطاع غزة، خلال السنوات الأخيرة نشأة لبعض التنظيمات الإسلامية، شكلت ما يمكن أن يسمى "خارطة فسيفسائية" خلال وقت قياسي سريع، ومن أبرز مكوناتها:
1- جيش الأمة- بيت المقدس: في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة في حزيران 2007، وينشط شمالي قطاع غزة وجنوبه، وتشير المعطيات أنه أقيم رسميا قبل عامين، وطبقا لأقوال أبي حفص، أحد القياديين في التنظيم، فقد عمل بصورة سرية لبضع سنوات قبل إقامته، ويعتبر نفسه "جامعا" لأمة الإسلام كلها، ويعرف نفسه على أنه تنظيم إسلامي خالص، ويمتنع عن تبني الرموز الوطنية الفلسطينية.
2-جيش الإسلام: الذي حظي باهتمام دولي في أعقاب خطف الصحفي البريطاني آلان جونستون في آذار 2007، وإطلاق سراحه في أعقاب الضغوط التي مارستها حركة حماس عليه في تموز 2007.
3- فتح الإسلام في أرض الرباط.4-جيش المؤمنين- تنظيم القاعدة في فلسطين، الذي أعلن مسئوليته عن هجومين ضد المدرسة الأمريكية في قطاع غزة.
القاسم المشترك لهذه التنظيمات وغيرها، أنها تدعي صلتها ونسبتها لتنظيم القاعدة، وقد لجأت هذه المجموعات للتهديد والترهيب والعنف ضد فئات مختلفة من الفلسطينيين تحت عنوان محاربة الكفر والانحراف، رغبة في تغيير الوضع السياسي والأمني، وبالتالي غدا الحديث عن وجود تنظيم القاعدة في غزة أمر مفروغ منه، حتى لو كان تواجده "ضمنيا" أو بـ"الوكالة" من خلال هذه المجموعات السرية.
وبغض النظر عن مصداقية صلة هذه المجموعات بتنظيم القاعدة، فإن السؤال الأكثر أهمية في هذه العجالة يتعلق أساسا بموقف حركة حماس، وكيفية تعاملها مع هذه المجموعات، وهل من تحالف أو تنسيق بينهما، حتى لو بدا في الوقت الحالي بعيد المنال مرحليا.
الحقيقة أن هذه التنظيمات المنسوبة إلى القاعدة، بشكل أو بآخر، ومن خلال معاينة ميدانية من داخل قطاع غزة يبدو أنها تشكل عبئا على حماس أكثر من أي طرف آخر، لأكثر من اعتبار وسبب، أهمها غياب الأهداف القريبة للمحتل الإسرائيلي في ظل وجود السياج الأمني، ما قد يحوّل نشاطهم إلى الداخل، ومظاهر الانفلات الأمني، كاختطاف بعض الأجانب، واستهداف المؤسسات الدولية والمسيحية.
وكما أن حماس "تحترس" من فتح باب الانضمام إلى صفوفها دون تمحيص أو تنقيح لأي مجموعات مسلحة تحمل اسمها خارج فلسطين، وترغب في الانضمام إليها لاعتبارات عدة، فإن القاعدة بحكم صراعها المفتوح مع مختلف الأطراف في قارات العالم الست، أثبتت قبولا لكل مجموعة ترغب هنا أو هناك في الانضمام إليها، دون تنقيح ماضيها أو التعرف على أدبياتها، أو التأكد من محاضن نشأتها وفهمها لأصول المقاومة، وفق المنطوق الشرعي والحكم الصحيح.
ولذا فإن الموقف "غير المرحب" الذي تبديه حماس، لا سيما في الخطاب الرسمي، من هذه المجموعات له علاقة مباشرة بحجم الأعداد المنضمة حديثا لهذه المجموعات، مما قد يفتح المجال واسعا أمام "الاختراقات الأمنية"، سواء من قبل خصوم حماس على الساحة الفلسطينية، أو من قبل عملاء إسرائيل، نظرا لكونها تنظيما مفتوحا لكل من يرغب دون ضابط صارم.
ومع ذلك، وللاقتراب أكثر فأكثر من الموقف "الحمساوي"، الرسمي والتنظيمي، فإن ما تقدم من موقف لقيادة حركة حماس الرسمي، لا يلغي بالمطلق –وانطلاقا من معطيات ميدانية مرة أخرى- أن هناك "شعبية" ما لتنظيم القاعدة في أوساط نشطاء وعناصر حماس، لاسيما الجيل الشاب المنضم حديثا لمدرسة الإخوان المسلمين، ممن أخذوا على قيادة الحركة ما وصفوه بـ"تساهلها"، مع السلطة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية المحيطة، مقابل الحصول على مكاسب سياسية لها علاقة بالحفاظ على مقعد الحكومة والسلطة، الأمر الذي يرى فيه تنظيم القاعدة اقترابا من "محرمات" معلومة من الدين بالضرورة.
هوة واسعة بين حماس والقاعدة
شعبية حماس وضعتها في المقدمةمن جهة أخرى، تأخذ أوساط لا بأس بها من قواعد حماس التنظيمية على قيادة الحركة هذا التقارب مع طهران، دون أدنى تفهم للمعطيات السياسية والتداخلات الإقليمية الضاغطة، شاهرين في الوقت ذاته أمام قيادة حماس سيف الأعمال الدموية التي تنفذها الميليشيات المحسوبة على الطائفة الشيعية في العراق بحق السنة كما يقولون
الأمر الذي يبدو أكثر طرافة، ولكنه يحمل دلالة جدية، انتشار بعض الرموز التي تعتبر "ماركة مسجلة" لتنظيم القاعدة، بين أوساط بعض نشطاء حماس، ومنها:
1- اللحية القاعدية، وهي بعيدة كل البعد عن اللحى المتعارف عليها بين عناصر الإخوان المسلمين، لاسيما إذا اقترن ذلك بقص شعر الرأس كليا.
2- ارتداء قبعة "الزرقاوي" السوداء على نطاق واسع، وانتشار الجلباب المسمى بين الفلسطينيين بـ"الزي الباكستاني" الذي كان يرتديه المجاهدون الأفغان زمن الحرب على السوفييت.
3- تداول صور الشيخ أسامة بن لادن، ورموز القاعدة، على هؤلاء المتحمسون للتنظيم.4- انتشار الأناشيد الدينية المنسوبة إلى تنظيم القاعدة، لاسيما تلك التي لا تصاحبها "موسيقى" معاصرة.
5- توزيع كميات كبيرة من المطبوعات والمنشورات، التي يقبل المئات من عناصر حماس على شرائها واقتنائها، فور نزولها الأسواق، والتي تحمل في صفحاتها تهجمات "غير مسبوقة" على فكر الحركة السياسي، واتهامه بين "الانبطاحية"، والتنازل عن الثوابت "العقائدية" للحفاظ على مكتسبات السلطة.
6- أدعو الكثيرين من قراء هذا التحليل لجولة متأنية في عدد معقول من "المنتديات" الإلكترونية وساحات الحوار على شبكة الإنترنت المقربة من حركة حماس وتنظيم القاعدة، وملاحظة أن هناك تقاربا ما، وتعاطفا نسبيا، مع التنظيم المطلوب عالميا على أجندة أجهزة المخابرات العالمية، من المحيط إلى المحيط.
أخيرا.. فما تقدم من توضيحات، وما قد يستشرفه المرء في قادم الأيام أن الشقة بين حماس والقاعدة، فكريا وسياسيا وتنظيميا وميدانيا، أوسع بكثير من أي جهود حقيقية جادة للاقتراب، فضلا عن التحالف، وإن كان بفعل مستجدات ضاغطة، أو مصالح سياسية متبادلة، الأمر الذي يحتم على حماس، لاسيما لدى قيادتها السياسية النظر بعين فاحصة إلى ما يدور في قواعدها التنظيمية، خاصة على الصعيد الفكري، من زحف متواصل على أفكار الإخوان الوسطية التي تربوا عليها عقودا من الزمن، بغض النظر اتفقنا معها أم اختلفنا